تمرين عضلة "وضع الحد" في القرارات | كيف أقول "لا" وأضع الحدود لحماية قراراتي من العواقب النفسية؟
في مقابلة أجراها النجار في بودكاست مربع تحت عنوان لماذا يعد الانشغال الدائم خوفاً مع ضيفه الكاتب أحمد مشرف، تحدث مشرف عن رأيه تجاه نُقاد كتاباته، وذكر بأنه لا يقبل النقد غير المنظم، حتى أنه أغلق خاصية التعليق على مواضيعه في المدونة، والسبب يعود حسب وجهة نظره أنه بلغ رحلة طويلة من التحدي و مجاهدة النفس في الكتابة وحملها على الانتظام والالتزامليسمع من مجرد عابر تعليقاً غير ذي فائدة .
حينما تأملت الأمر- رغم عدم اقتناعي به في البداية- وجدت أني أوافقه الأمر وأني أنتهج نفس النهج في وضع الحد بين آراء الآخرين المضادة لوجهة نظري في العديد من مجالات الحياة، والأمر متعلق بالقرارات الكبيرة والخطوات الصغيرة التي ستشكل نقلة مهمة بعد فترة، وحينما غصت بذاكرتي أكثر.. تجلت مواقف حتمية، منها مابلغ عمرها خمسة عشر عاماً ولازلت أتذكرها، وأحمدُ الله على قراري الثابت إزائها رغم اعتراض الجميع " عدا والديّ" ، وربما هي مكررة في حياة معظم الناس، كانت مهارة وضع الحد للآراء في اختيار تخصصي أفضل مهارة اكتسبتها، وسر نجاحها ليس في التصادم مع الآخرين والتعامل مع تدخلاتهم بحدة، على العكس تماماً؛ الاقتناع في أعماقنا بعد الاستشارة والاستخارة والثقة والتوكل هما السر، كلما بدون أكثر هدوء وقوة في رفض الفكرة التي يحاولون حشرها في حياتنا عوضاً عن رغبتنا وقراراتنا كلما كان استحسان العواقب بعد وضع الحد أعلى.
بالتأكيد أنت لا تحتاج لأن تدخل في صدام أو في جدال وشرح لمبرراتك وظروف حياتك الخاصة أمام الجميع، ولكن يحدث بالضرورة أن تتحدث جدتك أو أخوك الأكبر عن التخصص الممل الذي اخترته ولا يناسبك، أو ربما عن طريقة تربيتك لابنك، أن تبالغ الجدات في إعطاء الحلوى أو أن ترى ابنة عمتك عدم ضرر شاشات الايباد لطفلك ذو الأشهر لأنها انتهجت نفس النهج ولم يحصل ضرر لأطفالها!
بالنسبة لي اخترت تخصصاً يعد صعباً ضمن التخصصات المطروحة والخيارات المتوفرة في جامعتي، وأتذكر آراء الكثير من أفراد العائلة والصديقات بعدولي عن قراري الذي يرون أنه لا يتوافق مع إمكاناتي حسب ظنهم، ولكني كنت مصرة بهدوء لأني لم أجد سبباً مقنعاً (وربما لو تواجد لاقتنعت بتغيير التخصص) ورغم صعوبة التخصص وصحة تنبؤاتهم عن صعوبته إلا أني حصلت على أعلى معدل تراكمي في تاريخ القسم وتخرجت بامتياز مع مرتبة الشرف، كلما تذكرت مواقف الجدال حول ثنيي عن اختيار التخصص كلما شعرت بالفخر اتجاه اتخاذي قراري هذا! ومتعته لم تكن في تفوقي لاحقاً ولكن في شعوري بالثقة اتجاه نفسي وأخذ قرارٍ يخصني.
بعدها سيحدث ذلك كثيراً، عندما تختار التقديم للوظيفة المناسبة، وعندما تصبحين أماً، في جميع فصول الوالدية، و يمكنني التنبؤ بأنه سيحصل لاحقاً حتى بعد تخرج أبنائي وحصولي على أحفاد صغار .
ومهما كبرتَ وصرتَ متمرساً في الحديث أو الصمت واتخاذ القرار .. ستشعر أن هذه العضلة لا تزال تحتاج إلى تدريبٍ إلى جانب التأسيس القوي عن خلفيةٍ قوية؛ الرفض وقول لا عملية قطعية لذا تحتاج إلى أرض ثابتة تستند عليها أمام هجوم ردات الفعل "الشعورية" عن قولك (لا) .
شريك متفهم في القرارات المشتركة المتعلقة بالتربية "ضرورة"، وأشخاص ثقة نستشيرهم في مجالاتهم أو في الحياة لقراراتنا الشخصية الفردية.
الأفكار النفسية المعيقة :
الشعور بالعجز أمام الآخرين، قلق الشعور بالعجز، علاجه المخاطرة، وتنفيذ الخطوة، جربها ولو لمرة، قدر يكسر ذلك حاجز العجز.
الخوف على اهتزاز صورتنا أمام من نحب إذا لم نقل نعم،علينا التفريق فعلاً بين الأناس الذين يعبرون عن آرائهم لمجرد التعبير عنها- بينما لا تهمهم العواقب- وبين الأشخاص المهمين فعلاً الذين يفهموننا، مهارة وضع الحد لا تطبق مع الجميع، فالدائرة المقربة تحتاج لاستخدام مهارات أخرى غير مهارة وضع الحد في أوقات كثيرة.
يجدر الإشارة أن وضع الحدود يمكن أن تكون وسيلة للتعبير عن الحب أكثر من الرفض، هي أداة صريحة نقول بواسطتها للآخرين أننا نحبهم ونريدهم في حياتنا دون أن نراكم بدواخلنا غضبنا ومشاعرنا واحتجاجاتنا التي مُسّت بها حاجاتنا وظروفنا ومحدداتنا في الحياة، لأننا ببساطة لم نقل "لا" لأولئك الأشخاص المهمين والذين نحبهم أو نهتم لأمرهم.
التردد في اتخاذ القرار، بسبب عدم الاقتناع التام ، وجود سبب واضح وقوي اتخذت على أساس القرار وأن تكون أنت مقتنعاً به في الأساس.
الخوف من الفشل وتذنيب الناس لقرارك، عليك أن تتعلم كيف تتحمل عواقب الأمور، هذه الخصلة بالذات هي طريقة جيدة تمنعك من التهور في اتخاذ القرارات، وحينما تتعلم تحمل العواقب بنفسك فهي إشارة إلى نضجك واستعدادك لاتخاذ قراراتك المصيرية الخاصة بك أن يكون لديك بصيرة وذكاء وكافيين فعلاً بعيداً عن العاطفة والهوى إن لزم الأمر، أمر مهم جداً حتى لا تغتر بنفسك فتؤذيها بدلاً أن تعينها.
وخلال السنين الماضية خرجت بعدة أسباب تراكمية لسؤال "لماذا أحتاج أن أضع حدودي؟"
- لأن مايناسب الجميع قد لا يناسبك.
- لأنك أنت من سيعيش تبعات هذا القرار ولا أحد غيرك.
- كي تتفادى معمعة الاختيارات، وعواقب التردد وضياع الوقت، أن تقول لا أو نعم أمر حاسم يقيك اهتزاز وبعثرة أفكارك والتخبط من طريق إلى طريق وفقاً لاقتراحات ووجهات نظر لا تشبهك. ّ
- لأن عملية اتخاذ القرار بالضرورة هي أداة لتعيش الحياة، وهي نتاج لتفكيرك وأولوياتك واهتماماتك، والأهم مستقبلك .
متى أضع الحد؟
حينما تشكل آراء الآخرين ضغطاً عليك اتجاه أمر أنت مقتنع به حق الاقتناع، نحتاج بالتأكيد للاستشارة، ولكن نختارها بعناية من الشخص الصحيح الحكيم المناسب، وضع الحدود طريقة لإفادتك وليست لإلحاق الضرر بك، ولا لقطع علاقاتك، استخدامها بحكمة دون التمييز بينها وبين الوقاحة والتهور والعجرفة، أمر بقدر أهميتها في استخدامها الاستخدام الصحيح، دائما تحتاج إلى مرجعية ويقظة وفطنة تكون قد بنيتها مسبقاً كمهارة من مهارات الحياة .
التدرج في وضع الحد:
سمعتُ مؤخراً بودكاست "مش بالشبشب" كان الحديث مع أ.أنيسة الشريف حول كيف نضع الحدود الصحية في علاقاتنا العائلية، كانت الحلقة جميلة جداً، وبها مفاهيم عميقة خصوصاً تلك التي تتحدث عن مشاعرنا وإعادة فهمنا لمفهوم تمرين عضلة الحد، وبالتأكيد كانت مسألة التدرج أول ما نصحت به وهي بالفعل ضرورة، أن نتدرج ونختار التمرن في الوقت الصحيح، يساعدنا على تقليل مخاطر العزم الفجائي في وضع الحدود!
وأردت أن أنوه في النهاية، أن مهارة وضع الحد هي أداة للمساعدة، ويجب أن تطبق في ظروفها الصحيحة والعقلانية، فلا يعد منها المساس بالثوابت العقدية و الأخلاقية وبعيداً عن الأنانية والأذية بعيدة المدى والأثر لدائرة العلاقات المقربة لنا.
أتمنى أن أكون قد استطعت أن أضفي بعض مواقف وضع الحدود بشكل صحي في تدوينة، الدائرة المقربة من الأهل والأقارب و غير المقربة من الأناس الذين لا يشاركوننا المصير وعواقب القرار.
تدوينة أكثر من رائعة
ردحذف