سحر الروتين | منافع الروتين وأثرُهُ الإيجابيّ على حياتنا العائلية والشخصية!
لاحظتُ أنّ أكثرَ الناس تركيزاً واستمتاعاً بالحياة؛ هم الذين يكتسبون عادة تِكرار الروتين الجيد طيلةَ حياتهم؛ بدءاً بالروتين اليومي، وانتهاءً بالروتين السنوي، هذا ما لاحظته عن تجربتهم ومراقبة تفاصيل أيامهم، وأكثر من يوجه ويخلق هذا الروتين العائلي والموسمي هما الوالدين، وخصوصاً الأم؛ لذا فالمنازل التي يتواجد فيها الأجداد تجدها ساحرةً ودافئةً خلال أيام ومناسبات السنة؛ فالأعياد - على سبيل المثال- فيها منعشة، مجدولة، ولها تلهُفٌ واشتياق! مرتبةٌ جداً دون أيِّ ضغوطات، حتى وقتك الخاص يمكنك الاستمتاع به بعد إنهاء الواجبات المعروفة؛ وجبات الطعام العائلية، ارتداء ملابس العيد، الخروج للزيارات الجماعية العائلية، وصلة الأرحام، النوم ثم وجبة الغداء وبعدها يلعب الأطفال ويسترخي الكبار.
لاشك أن الروتين يجعلك تعيش الحياة كاملةً موزِعاً لاهتماماتك ومتكيفاً مع الحياة ومواسمها ويوفر عليك تنظيماً مُسبقاً للوقت، وأفضل مايجعل الحياة سهلةً ومفعمةً بالرضا والقبول؛ هو تعدُّد الروتين؛ فالتكرارات اليومية والموسمية هي أفضل مايخلق تفاصيلَ المناسبات ويجعلُنَا أكثر ترقباً وتركيزاً واختباراً لها ولفصولها.
عندما يشكو الشباب من الروتين.. أتعجب من ملاحظتي لطريقة عيشهم! صرتُ أتفهم ما يعنيه المتذمرون من أجواء الروتين، ففي الغالب هؤلاء حياتهم عشوائية فالروتين الفعال لا يعني -بالضرورة- تِكرار الأشياء بعشوائية .. ولكن تكرارها عن قصدٍ وبوعي، للحصول على مكتسباتها من المشاعر والانتعاش والفائدة، لا يمكنني فَهم من يحب الاستقرار في حياته ولكنه لايحب الروتين !
فمشاهدةُ التلفاز يومياً لساعاتٍ طويلةٍ متنقلاً بين القنوات كل مساءً ليس روتيناً، تناولُ ذات الوجبات يومياً دون أن تكلف على نفسك عناء اختيارها وفقاً لرغبتك ليس روتيناً، وارتياد المدرسة أو الجامعة أو الدوام طوال الأسبوع دون أن تحظى بساعاتٍ تمارس فيها هواياتك ليس روتيناً مجدياً.
في الحقيقة إنّ الروتين يقضي على الكسل، يعطي في كل مرةٍ سحراً للبدايات، يجعلك تستعد، و يهيؤيك للأيام الموسمية.
وإذا أتينا إلى تعريفه؛ فالروتين هو جدولة وممارسة عدة نشاطات مهمة متتابعة لفترة زمنية معينة(ساعات أو دقائق) وتكرارها لمدة طويلة؛ يومياً، أسبوعياً، أو موسمياً.
كُلُّ الروتين بأنواعه مفيد وقابل للتطبيق، الروتين اليومي (الصباح/المساء)، روتين العيد، روتين رمضان، روتين الصيف، روتين الإجازة، روتين الدوام، روتين الويكند ...إلخ.
وعلى المستوى الشخصي عن تجربتي الخاصة مع الروتين؛ ففي وقتٍ سابقٍ في حياتي، كان الروتين يقتلني ويقضي على شغفي واستمتاعي بالحياة، حتى أني كل مرةٍ أشعر فيها بالملل والضجر -والأدهى- عدم الإنجاز أو الفشل، فالمتهم الأول هو الروتين، بل إن "الروتين" بذاته يعني الملل بالنسبة لي دون أي صفة أخرى يمكن أن أصفه به، وكان شغلي الشاغل وشغلي الوحيد هو كسره، الروتين هو رمز الركود والمشاعر السلبية والكسل، هكذا كان مفهومي عنه حتى صرتُ أُماً وكثرت مشاغلي وصار وقتي مستهلك واصطادتني مشاعر أخرى غير الملل، وهذا ربما ينطبق على كل شخص يشعر أن لديه الكثير من المسؤوليات والقليل من الوقت ولا يستطيع بأي شكل من الأشكال أن يفوض مهامه، إلا في أوقات خاصة وقد لا تكون بشكل يومي، ثم بعد ذلك يشعر بنفسه وقد دخل مرحلة الاحتراق، بالنسبة لي فقد اختبرت مشاعر أخرى، ربما أفرد لها تدوينة أخرى في وقت لاحق فالحديث عنها يطول، ولكن كأداة فعالة ومنقذة، كان خلق الروتين اليومي والأسبوعي بداية ممتازة جداً لإعادة السيطرة على حياتي والمهام التي تفلِتُ من يدي، والأهم؛ هو العثور على نفسي وسط زحام المهام والارتباطات والمسؤوليات.
لذا فقد جربت كثيراً حتى وصلت لتحسين حياتي من خلال وضع عدة روتيناتٍ مناسبةٍ لي، ولا أستطيع وصف مقدار الفائدة العائدة عليّ على الصعيد النفسي والذهني، لا زالت بعض الروتينات قيد التحسين، ولكن حظيتُ بروتينات فعالة وأسعى لتطويرها وفقاً لما يناسب ظروفي بكل مرونة، ويمكنني أن أُلخّص أهم النقاط المساعدة على صناعة روتينٍ نافع ومُجدٍ:
١. اُعثر على نفسك :
أول روتين يجب عليك أن تفكر فيه هو روتينٌ خاص بك (يطبطب) عليك، فكر بالأشياء البسيطة التي تساعدك، واصنع منها روتيناً يومياً لمدة وجيزة، ولتبدأ بربع ساعة مثلاً.
٢. ضَمّن روتينَك بمحفز :
فمثلاً هذه الفترة أشعر أن سماعي لبودكاست يخرجني من جو أعمال المنزل التي لا تنتهي، وهي إضافة رائعة لي خلال نهاري، خصوصاً أني أجمع في أوقات تصفحي للبودكاست العناوين الحماسية التي تثير شغفي واستمتع بسماعها، لذلك أسعى جاهدة خلال الأعمال التي لا تتطلب تركيزاً عالٍ مني أن استمتع ولو لبودكاست فكهاي.
اكتشافي لذلك جعلني أتحمس لصناعة روتين خاص بي خلال النهار؛ حمامٌ سريع منعش ودخول ضوء الشمس إلى غرفتي، ثم رحلة ممتعة مع بودكاست أثناء أدائي لبعض أعمال المنزل .
٣. رتب أولوياتك ثم مهامك لكل أولوية:
ترتيب أولوياتك وفقاً لدورك الحالي في الحياة، في أسرتك. حاول بصدق أن تعمل على ترتيبها، وتميز المهم في المرحلة الحالية من حياتك.
٤. إدارة الوقت خطة فاشلة في وضعك:
"نحن لا نمتلك الوقت" هذه حقيقة! نحن نمتلك عدة مهام علينا إدارتها وفقاً للواقعية، الأهمية، والكيفية ؛ يمكنك تأجيل ما يمكن أن ينتظر، ستعلم أي مهام يجب أن تلغى في وقتك الحالي إذا عرفت أولوياتك.
وبالمناسبة سمعت كثيراً - أن خلق روتينٍ أبدأ به يومي يوفر عليّ الكثير من الوقت في التفكير، وقس على ذلك روتيناً أسبوعياً في كل نهاية أسبوع أو روتيناً سنوياً في رمضان على سبيل المثال.
٥. كل شيء بالتدريج:
ابدأ بالتدريج، هنالك متعة عليك أن تعيشها لن تستطيع تذوقها إلا بالصبر والتدرج، وهذا يشمل كثيراً من الجوانب لأخذها بعين الاعتبار ؛المنطقية والواقعية، والتجربة؛ فلا بأس أن يفشل روتين في أول تجربة له، لأنه غير مناسب لك ويحتاج إلى تعديل، استمر بالمحاولة.
عندما تتدرج حاول أن تتدرج بتنوع في جميع مجالات الحياة التي تهمك، فالروتين الذي يحتوي على عدة جوانب، صحية وروحانية وشخصية، يُشعرك بأنك قطعت شوطاً ويعطيك الشعور بالإنجاز أيضاً، ودافعاً للمواصلة.
٦. اُكتب وراقِب تقدمك:
الكتابة أهم موثق وشاهد على نجاحاتك وإخفاقاتك، لذا وثق مهامك وإنجازاتك في أجندتك أو يومياتك، هذا يفيدك على المدى القصير والبعيد إذا كنت لا تجيد ذلك تعلم أيسر طريقة وتدرب عليها، ولا تهمش توثيق الروتينات الفاشلة، إنها سر نجاحك وطريقتك للتعلم، فبذلك أنت تتفادى الأخطاء وتحسنها للمرة القادمة أو الموسم القادم؛ فمثلاً؛ في رمضان الأخير، لم توفق لاستغلالٍ أمثل للوقت للعبادة بسبب التسوق، أو ربما تأخرت في ترتيب البيت وتنظيفه باختيار الوقت الخطأ في أجندتك الروتينية للتحضير لعيد الفطر، احتفظ بها للسنة القادمة لتوفر عليك عناء التخطيط من الصفر ولتتلافى عواقب الأخطاء ذاتها.
٧. عِشِ اللحظة وكن مرناً:
تذكر دائماً أن الروتين في خدمتك، وموضوعٌ لتسهيل الأمور عليك وليس لتعقيدها، وتذكر أيضاً أن تعيش لحظات حياتك، وأن تخلق روتيناً قابلاً للتغيير وفقاً لما يسعدك ويريحك .
عندما تسمع كلمة روتين مجدداً، أرجو أن تكون قد خطوت خطوة جعلتك تقترب من أهدافك بتسخير الروتين الصحيح لنفعك، أتمنى أن تكون هذه التدوينة قد أفادتك، شكراً لقراءتك.
تعليقات
إرسال تعليق