قبل وبعد أن تصبحي "ماما"| أولى دروس الأمومة
لن أتحدث هنا عن ما يتوجب عليك فعله قبل الأمومة؛ فالعناية بالمولود وتقديم أفضل ما لديك لأجله أمر مفروغ منه، ولن يحتاج لتحفيز مني لدفعك للبحث عن المعلومة الصحيحة التي تساعدك في ذلك!
لنكن صادقات؛ أنا وأنت نبذل جهداً كافياً لنعرف الطريق الصحيحة التي توصلنا إلى المعلومات والطرق المثلى للعناية بأطفالنا وهم في أرحامنا، وفي معظم الأوقات وجُلها ننجح ! فغريزة الأمومة كفيلة بأن تدفعنا للبحث والاهتمام دون أي تدخل بشري .
لكن هل أنت مستعدة للتعامل مع نفسك وذاتك كأم؟
ربما يكون قد مر عليك هذا السؤال مسبقا .. وربما لم يسبق أن خطر على بالك بصيغته هذه، والسؤال الأهم الذي يعقبه "هل هناك استعدادات أحتاجها لأتعامل مع نفسي وذاتي كأم؟"
وحتى لا نتوه بين كلام تنظيري ولغة بعيدة، معظمنا نشبه تلك الفتاة، شغوفة ولديها اهتماماتها في هذه الحياة اهتمامات منها ما أَلزمنا "نحن" بها أنفسنا ومنها ما ألزمنا بها المجتمع لاستشعار قيمتنا .. تغيرت حياة تلك الفتاة بعد الزواج؛ تأجلت أهداف كثيرة وظهرت فجأة مسؤوليات أهم لم تعتدها .. لذا ولأنها بطبيعة الحال إنسان له طاقته المحدودة ووقته المعروف قررت أن تؤجل بعض الأحلام والطموحات والخطط حتى تسيطر على مسؤولياتها الجديدة وتتحكم بها بعد حصول الحمل، (سواء خططت أم لا ).. ولأننا ننتهج سلوكياتنا وفقاً لتوقعاتنا ونتائجها التي اعتدنا عليها نعلم أن مشروع الأمومة مشروع استثنائي وطويل المدى .. تبقين أمًا لآخر حياتك، ولكن استشعار مشاعر مسؤوليات الأمومة لا يمكن أن تشابه أي خطة أو مشروع أو تجربة مررنا بها؛ لها بداية ولها نهاية .. لا تشبه الدوام أو الوظيفة فتعودين نهاية العمل إلى المنزل وتنفصلين إلى حياتك الخاصة والعائلية .. تنتظرين نهاية الأسبوع لأن هناك بالتأكيد عطلة وإجازة لا تعملين خلالهما، لديك وقت خاص أياً كان فيما تصرفينه .. أما مشروع الأمومة فهو مختلف كل الاختلاف (لذلك نحن ننظر للأم نظرة شديدة النقد قبل أن نصبح أمهات ونطلق عليها الكثير من الأحكام الشديدة المسبقة) خصوصاً الأمومة للمرة الأولى؛ حيث نصطدم ببكورية مشاعر أمومتنا، أمومة لم تتشرب التجارب بعد ولا تعلم العواقب ولا نمتلك لها ذاكرة ضمن مساحة تجاربنا المسبقة ..
إننا نظل نتحمل هذه المشاعر والمسؤولية طوال عمرنا، ونحن كأمهات تعلمنا الكثير من أساسيات التربية والرعاية من المحيط، كيف نربي ونطعم ونلبس، بعضها تعلمناها غريزياً والبعض الآخر من المحيط، أمهاتنا وأخواتنا .. لكن لم يعلمنا أحد كيف نعيش مع هذا الشعور والمشاعر، وهنا أقصد المشاعر المؤلمة المتعلقة بأزمات الأمومة الخاصة بالأم ذاتها وكينونتها، والأهم كيف نتعامل معها ؟ متى نحجمها؟ متى نتغافل عنها؟ ومتى نهتم بها أو نتجاهلها؟ بل قطعاً معظم الأجيال ممن سبقنا لم تسنح لهن فرصة التعلم؛ أمهاتنا وجداتنا وربما حتى صديقاتنا من جيلنا- ممن سبقنا في خوض تجربة الأمومة والوالدية - لذا فهذا يوجِد تفسيراً واضحاً لِكم السعادة وعبارات السخط التي كنا نسمعها في الوقت ذاته من شريحة الأمهات قبل أن نصير أمهات، فكنا نتعجب! بالفعل .. كم مرة مر بخاطرك تساؤل ( هل هن يشجعنني على الزواج والإنجاب؟ أم هن يحذرنني؟) وفي الغالب تكون الإجابة عندما نفصح بهذا السؤال (إنها سُنة الحياة؛ ماذا عسانا نفعل؟)
هن لا يكذبن في شعور الشكوى والتحذير، صحيح أنهن يبدين السخط أكثر من أي شيء آخر، ولكن لم يُعلَّمن كيف يتعاملن مع مشاعر السخط هذه، والحقيقة أنهن يتقمصن حياتك تلك اللحظة، ويعشن شعور الماضي الذي كُنّ فيه .. "لقد كُن ذات يوم مثلك"، ومن هنا يسعين لعيش ما كان بملكهن (شعورياً) وصار ينقصهن اليوم؛ ستودعين النوم .. لن تستطيعي أن تأكلي ما تحبين جيداً .. مسكينة تنتظرها الحفاظات وغسل الرضاعات ..!
كثيراً ما سمعت من الأحاديث التي تدور حول فكرة كيف أن الأم تقدم جُل ما تملك من طاقة نفسية وجسدية؛ صحتها، طموحاتها، رغباتها.. كل ذلك تضحي به في سبيل هذا الكائن الصغير إن لم يكونوا أكثر من طفل .. ماذا بعد ذلك؟ (هذه الفكرة وهذه الأحاديث كفيلة بأن تجعلك تصابين بالخوف من المستقبل، الإحباط والشعور بالفشل أو ربما الندم ) تجد الأم نفسها وقد ضحت بكل هذا خالية الوفاض، إنها الشكوى التي نظل نسمعها من أمهاتنا وجداتنا، شعور ببعض الظلم أحياناً أو عدم الإنصاف، ولكن. هل هذه الحقيقة؟ هل خيار الإنجاب والوالدية من مساوئ الحياة الدنيا؟ هل هي إذاً جحيم كافٍ للهروب والعدول عن فكرة الزواج والإنجاب؟ بالتأكيد الجواب لا، وإلا فلم وصف القرآن بأن الأبناء زينة الحياة الدنيا؟ .. لم يصفها إلا بالزينة .. مرغوبة، هل تتصور الحياة بدون زينة؟ مبهجة؟ سعيدة؟ لمَ لا؟ ربما تكون كذلك!
إذاً ماهي تبعات إهمال النفس كأم؟
جمعت بعضها، ولاحظت أخرى من تجارب الأمهات حولي، و تجاربهم في السوشال ميديا.
- الشعور بالعدائية تجاه النفس والمجتمع وربما أطفالنا .
- فقدان الهوية بعد الأمومة.
- الرغبة في الهروب من التزامات الحياة الجديدة .
- الشعور بالسخط تجاه كل مايحدث في حياتك .
- الندم والتحسر عند الكبر.
إذاً ما الحل؟
هنا بعض النقاط التي تعلمتها خلال سنتي الأولى من الأمومة، جمعتها من عدة مطالعات، لكتب وحسابات المختصين المهتمين بصحة الأم النفسية والعاطفية، يفوتني بعضها أحياناً ولكنني أرجع لأذكر نفسي بها؛فذلك يساعدني بشكل كبير جداً، ويسعدني أن أشاركها مع جميع الأمهات :
- اليقين بأنك قيمة ثابتة!
هذه العبارة حلقة بودانك، وعلميها أطفالك ليس فقط نفسك؛
سمعت ذات مرة بثاً مسجلاً على انستغرام لـ د.يما نجار تتحدث فيه عن جزئية أهمية استشعارنا بأننا قِيمٌ ثابتة . لا نحتاج لنثبت لأحد قيمتنا في الحياة ولا حتى لأنفسنا. وعلى ذكر أنفسنا.. نحن لا نحتاج لنثبت لها أننا ذوي قيمة بقدر حاجتنا لأن نتعلم كيف نستشعر قيمتنا الثابتة في الحياة .. كنتِ أما عاملة أم ربة بيت .. كنت بشهادة جامعية أم ثانوية .. مهما كانت ظروفك استشعري قيمتك من ذاتك لأنك من هذا المنطلق تعطين وليس ( تعطين وتنجزين لتشعري بقيمتك الثابتة❌ ) أنت قيمة ثابتة قبل أداء أي وظيفة لك، حتى قبل الأمومة وبعدها.
- مشروع الأمومة يحتاج المرونة ويكسبك المرونة.
- يجب قضاء وقت خاص بك، لا تجعليه يشعرك بالذنب.
تعلم جميع الأمهات هذا الشعور، فبمجرد قضاء وقت بسيط بعيدا عن دورها كأم، تبدأ مشاعر الذنب تسيطر عليها، فبدلاً أن تقضي هذه الساعات للتواصل مع نفسها وشعورها بكينونتها، تستهلكه في الشعور بالذنب، ( إلا إذا كنت تشعرين ببعض الغضب وتحتاحين إلى متنفس فأنت يمكنك أن تشعري بأنه حق لك هذه الدقائق أو الساعة) ولكن في الأوقات الاعتيادية يعرقلك هذا الشعور عن الخروج بمكتسبات ومنافع الوقت الخاص بك، فتمارسين أمومتك شعورياً في ذهنك، لأن تركيزك هناك مع أطفالك وهم نائمون أو في المدرسة أو ربما في جولة مع والدهم أو عند جدتهم، ماذا استفدتي أنت من التفرغ في هذه الحالة؟ أعلم أن الأمر في الأصل غير مقصود منا، ولكن علينا أن ننظر لقضاء وقت مع أنفسنا على أنه الوقود الذي سيشعل مشاعر السعادة وينميها ويكسبنا الرضا عن أنفسنا، فنعطي بحب ونمارس أمومتنا بحب ونستطيع التركيز على مهامنا وواجباتنا اتجاه أطفالنا.
- لا تشتتي نفسك بكثرة المصادر في التربية
- ساعدي نفسك واعتني بصحتك جيدا
تشعرين بأن نومك قليل، لا تشربين الماء بشكل جيد، تشكين من آلام في عضلات جسدك ومفاصلك ، تشعرين بالتعب والإعياء بسرعة.... مؤشرات كثيرة تعشينها على مستوى صحتك الجسدية ولكن تتجاهلينها، أتفهم سبب الإهمال لأنفسنا، ففي أوقات كثيرة نكون مشغولين مع تحدياتنا ومسؤولياتها الجديدة، ولا نجد وقتا للراحة أو السؤال عما إذا كانت صحتنا جيدة أم لا، ولكن لايجب أن يستمر الأمر طويلاً.
- هل جربتي الدعاء؟
لا أتحدث عن التدين والالتزام .. أتحدث لحاجتك ومقدار ضعفك البشري الذي لا يسعه مواجهة كل هذا القلق والتحديات والصعوبات دون الشعور بقوة إلهية عظمى لتستندي عليها .. كم طاقتك؟ ١٠ ساعات من القلق . ٥ ساعات من التردد .. إذا فالأمر لا يحتمل أكثر من ذلك لتخزينه بداخلك .. عليك أن تفرغي من هذه الطاقة لأنها قد تسبب عطل بل قطعا سيحدث عطل أو انفجار لضيق المساحة البشرية التي تمتلكينها .
في الحقيقة ارتباطنا بالله يشحن هممنا، يخرجنا من حلق الضيق إلى مساحات شاسعة .. مع كل تنهيدة لا تنسي طلب العون من الله ولو بأبسط لغة تستطيعينها.. إنها أسرع طريقة .. وبعدها يمكنك في جلسات خاصة بينك وبين الله الدعاء إن أردت . تخيلي مقدار المكتسبات الروحانية و النفسية على المدى القريب والبعيد لو طبقنا ذلك طيلة رحلتنا مع الأمومة .
- تعاملي مع مشاعرك بالطبطبة ( لا بالكبت ولا بالهروب )
عندما أنجبت طفلي الأول مررت بمراحل كثيرة مع تراكم المسؤوليات وضيق الوقت. وضياعي في وسط ماذا أفعل وكيف أفعل؟ وبين البحث والسؤال والتنفيذ نجد فجأة أن الوقت يضيع مقارنة بالجهد المبذول .. فما بالك حين لا يجدي الحل الذي نفذته جدوى ! أستطيع أن أشعر بكم الإحباط والخيبة بل أكاد أجزم أني في لحظة كتابتي الآن تكاد تخنقني العبرة لمجرد تذكر هذا الشعور .. وبالطبع مررت به كثيراً وأعلم أني سأمر به خلال رحلة أمومتي..ولكن ما تعلمته خلال عام مضى هو تعلم التدرب للتعامل مع مشاعرنا، لن تتخيلي كمية الفرق الذي يمكن يحدث .. من أم حانقة ومشروع جاد لصناعة قنبلة موقوتة إلى أم تعرف مقدار مشروعية هذه المشاعر وأم من حقها أن تغضب وتحزن وتنفس عن نفسها فتعطي بكل حب بدلاً أن تعطي بكل سخط.
في أوقات كثيرة أشعر بالشفقة اتجاه نفسي وسط انغماسي طوال اليوم جهدا ووقتا في تلبية متطلبات طفلي وسعيي الحثيث لأداء واجباتي كأم وزوجة .. أود لو أضمها وانظر في عينيها المرهقة السعيدة الراضية الحزينة، في جنب ما أشعر بالفرح لتواصلي مع نفسي وأشعر بالامتنان لله على نعمة الانشغال في صناعة إنسان وبيت دافئ.
- الكتابة ثم الكتابة
في النهاية، هذه بعض الأمور التي ساعدتني وأوجدت فارقاً في حياتي مع طفل رضيع لأول مرة، أتمنى ألا تقلقي من تجربتها إذا كنت تقرأينها قبل الأمومة ،فليس بالضرورة أن تمري بجميع هذه المشاعر، تجاربنا تختلف كأمهات ولكنها تتشابه بطبيعتها الغريزية والشعورية، ورغم كل هذا تهدينا الأمومة الكثير من الحب، الألفة، الاستقرار والمرح.
تعليقات
إرسال تعليق