بعد خمسة عشر عاماً من المحاولة، نجحت في صناعة كعكة أحلامي!


في طفولتي، كنتُ طفلة جريئة في خلط الألوان واستخدام أقلام الرصاص، جريئة في الغوص بخيالي، أُجيد رصّ الكلمات في حوارٍ بديع بينما ألعب بالدمى؛ أُمثل دور المذيعة، المعلمة، الفنانة باحترافية، ولدي اعتزاز برسوماتي التي كنت أراها لوحات فنية غاية في الجمال والقيمة بينما هي في حقيقتها رسومات متواضعة مضحكة أحياناً، وعشوائية أحياناً أخرى؛ خطوطٌ متشابكة وألوان مدعوكة دعكاً عميقاً في نتوءات الورق! وأمر آخر، أجيد الإقناع في وسط الصداقات الآمنة، إلا أني مقابل كل هذه الشجاعات: أتردد في استخدام قلم الحبر، في القفز من علوٍ محدد، في ألعاب سباق البلاستيشن للصغار...

وبعد أن كبرت عدة سنوات، كانت رغبتي في أن أُقلد أمي في إعداد الطعام تعرقلها مشكلة واحدة، التردد والخوف من إفساد "الطبخة"! 

رغم أن عملية الطبخ كانت عملية جذابة ومثيرة في ناظريّ؛ أحضر مقاديرها بيديّ، وأخلطها بعناية ومثالية كما قرأتها أو رأيتها عن أمي، إلا أن تجارب الفشل التي خضتها حتى أصنع كعكةً للشاي أو كعكةً رخامية لذيذة كانت كثيرة ومحبطة أحياناً، لم أكن لأنجح في صناعة كعكة -بغض النظر عن مثاليتها- لولا توفيق الله وخصلتا التفاؤل والإصرار اللتان أمتلكهما، وأيضاً؛ حدسٌ طفولي رافقني حتى الصبا "بأني شخص يجيد صنع الأمور بإتقان وجاذبية" كما كنت أحسب على الأقل! 

مع كل ذلك فقد قطعت ثلاثة عشر عاماً من البحث والمحاولة لصناعة كعكةٍ إسفنجية هشة، كلاسيكية، مرتفعة السمك، تشبه القطن، وتذوب كأنها قطعة سحاب في الفم، كعكة أصلية لايدخل في تحضيرها أي مُحسن صناعي أو فاكهة طبيعية أو مكون غريب.

لقد جربت طرقاً كثيرة مختلفة، وبحثت بحثاً مضنٍ، وسألت الأشخاص المعدودين الذين تذوقتها عندهم عن الطريقة، ولكن لم يكن لديّ حظٌ في النجاح في صناعتها؛ فبعد كل محاولة أجر أذيال الفشل.

وعلى ما أذكر، فقد أجدتُ صناعة الكثير من الطعام، المخبوزات، المعجنات، الحلويات والأطباق الرئيسية، ووفقت بعد تخرجي من الجامعة مباشرةً، لصناعة بعض الأطباق الجديدة باحترافية من المطبخ الإيطالي، والشامي إلا أن الانستغرام واليوتيوب لم يفلحا في دلي على طريقة كعكة أحلامي المنشودة، صادف الأمر بعد سنتين أن أجد خبير في صناعة هذه الكعكة بشكل احترافي ومميز، كانت حماتي( أم زوجي) -أمدها الله بالصحة والعافية- تمتلك أنامل رقيقة ومحترفة في صناعة حلوى البودينغ، السويسرول والأهم : كعكة أحلامي الإسفنجية!!

 لا أحد في العائلة يجيدها كما تفعل هي، البقية يصنعون نسخاً مقلدة مقاربة، ولكن شهرة كعكة خالتي وتاريخها لا تضاهيها شهرة، لذا وبعد سنة أخرى من محاولة التعلم، أجدتُ صناعة كعكة اسفنجية لذيذة! 

لماذا أتحدث عن تاريخي البطولي في صناعة كعكة في تدوينة "طويلة عريضة"؟ أعلم أني قد أبدو غاية في السطحية لدى البعض، وغاية في السخافة لدى البعض الآخر، وربما آخرون لم يكملوا قراءة قصتي حتى تكَلُلِها بالنجاح، وغادروا عند بدايتها أو منتصفها.. لكني أردت أن أحكي حقيقة تتجلى وتتأكد يوماً بعد يوم: الأمور التي لم تحصل عليها الآن، ستحصل عليها لاحقاً، في وقتها المناسب جداً طالما أنك تسعى!

لنقم بتجربة صغيرة، هل تذكر قبل اقتنائك لجهازك الإلكتروني الذي تمتلكه الآن بينما تقرأ من خلاله هذه التدوينة؟ أراهن على أنه كان أمنية من أمانيك المنتظرة في وقتٍ من عمرك قبل أن تحصل عليه، وربما كان يمتلك جاذبية أكبر، عندما كنت أصغر سناً ربما، أو عندما لم تمتلك قيمته بعد...

بالمثل هل تذكر كيف كنت تريد أن تكبر بسرعة، حتى يتسنى لك قيادة دراجة هوائية بعجلتين، أو ربما سيارة تقودها بمفردك! 

استخدام مواد التجميل وشرائها، كان حلماً في صبا معظم النساء، التسوق باستقلالية أو الاجتماع مع الصديقات المفضلات كانت أمنيات مُلحة ومنتظرة ذات يوم!

ماذا عن ارتياد الثانوية العامة، الحماس لدخول الجامعة، العمل، تأسيس عش الزوجية...إلخ

بغض النظر في أي درجة أنت في سلم حياتك حالياً، إلا أنها أمور مشتركة لدينا جميعاً ، خضنا/نلنا معظمها بفضل الله.

ما أريد أن أقوله بوضوح، أن الأرزاق بعد الثقة بالله تحتاج إلى سعي وصبر، وهذان المكونان نسبيان في كل وصفة تريد أن تجربها.. 

ولكن مايجعلنا نخسر حتى عند نيل ما نريد، بعض المطبات والحفر والقناعات أو السلوكيات التي نتخذها دون وعي منا في طريق الحصول عليها لذا فهذه نصائح خرجتُ بها وأحاول أن أتذكرها دائما أثناء سعيي للوصول لغاية أو هدف.. 

١. عَيشُ اللحظة، والتمتع بالرحلة قبل نيل الوجهة. 

٢. الخروج من دائرة الراحة، لتجارب أغنى طالما لا يشكل ذلك خطراً حقيقياً عليّ.

٣. الشعور بالامتنان لله لما أملك وما لا أملك.

أستطيع أن أقول أني أشعر بالاعتزاز والسعادة لإجادتي صناعة كعكة أحلامي في هذا الوقت بالذات من حياتي، ليس لذات الكعكة الشهية أو لذاذتها التي لا تقاوم، ولكن لأني أستطيع أن أكون ذكريات سعيدة مع أسرتي بواسطة هذه الكعكة، فزوجي يعتبرها رمزاً من رموز طفولته؛ ترعرع عليها في المناسبات السعيدة والأعياد، وطفلي يبتهج عندما يراها لأنها شيء لذيذ تصنعه ماما، وماما سعيدة لأنها بدأت تصنع رموزها "الأمومية" الخاصة والممتدة في ذاكرة عائلتها الصغيرة!

هل أنت مهتمـ/ة بمعرفة طريقة تحضيرها؟ 




تعليقات

  1. حرام عليك وين الوصفة؟؟ 😂 تدوينة جميلة جداً، احس بالإنتماء لكل كلمة لأنني أنا أيضاً أحاول ان اتقن الخبز و الكيك و يسيطر علي الخوف من فشل المحاولة بعدما افسدت الكثير من الكيكات و المخبوزات، لذا لا اتعب نفسي بمحاولة الخبز و اكتفي بشراء الكيك من محلات الحلويات. شاركينا تدوينة اخرى تحكي عن تفاصيل هذه الكيكة مع صور شهية لتحفزي و تلهمي المكافحات اللاتي يحاولن إتقان المخبوزات أمثالي!

    مع محبتي
    بثينة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سحر الروتين | منافع الروتين وأثرُهُ الإيجابيّ على حياتنا العائلية والشخصية!

أكذوبة التوازن في مجالات الحياة، قبول الضعف البشري