رواية الدجاجة التي حلمت بالطيران | The Hen Who Dreamed She Could Fly

    بين تقاليد الحظيرة وغريزة الأمومة تناضل الدجاجة إبساك للطيران! (رواية من الأدب الكوري).

 حصلتُ على هذه الرواية عام 2017، كانت هدية من صديقة مقربة، أتذكر أني أوسعتها ثرثرة عن رغبتي الشديدة والملحة في اقتناء هذه الرواية إثر عدة مراجعات قرأتها عنها، كانت الرواية بالنسبة لي هي الكتاب المنشود؛ كطريقة لتفعيل مهارة التقمص العاطفي لدي، لأفاجأ بها تصلني حتى باب البيت، لم أقرأ الرواية في لحظتها رغم رغبتي وتلهفي إلى ذلك، فقد حال بيني وبينها حزنٌ على وفاة جدتي يوم وصولها، لذا انتظرتني على رف مكتبتي أياماً عدة، ظلت محتفظة بصبرها وهدوئها على الرف، لكنها لم تفقد بريقها في نفسي، بل كانت وسيلة مواساة بامتياز، استطعت أن أستشف ذلك منذ اللحظة التي نظرت إلى غلافها الذي يدفعك بشكلٍ ما للتعاطف معها "دجاجة تحلم بالطيران!" ماذا عساك أن تشعر أمام هذا المعنى؟ عنوان كهذا ليس بوسعك إلا أن تتعاطف معه من بين كل المشاعر، خصوصاً حينما يتزامن مع مشاعر الاستشفاء من حزن الفقد، وربما هذا هو سبب إحساسي بالألفة اتجاهها؛ هذه الرواية بها سيل من المشاعر الإنسانية، يمكنها أن تبعث فيك الكثير من المشاعر الرقيقة العميقة سهلة التخزين في الذاكرة .. تشبه الحياة كثيراً في وقائعها، لذا لازلت أتذكر حين وصلت إلى فصولها الأخيرة ثم تهت في قائمة مهامي فانشغلت ونسيت أمرها بعد تخزينها في صندوق الكتب لنقلها إلى مكان آخر في غرفة أخرى دون أن أكملها .. لكن ذاكرة قلبي تسترجعها بسهولة .. أذكر أيضاً أني احتجت إلى راحة في كل مرة أتفاعل فيها مع أحداث الرواية فأركنها قليلاً لأستريح وأتشرب المعنى وأتلذذ بالأثر السحري اللطيف التي أبدعت الكاتبة في تركه بأسلوبها .. وفي الحقيقة لا أعلم هل كنت حينها أخاف أن أفقد صديقاً عزيزاً يؤنسني معرفته ويقاسمني بعضاً من همه وتحدياته- فأماطل في قراءتها رغم سهولتها ومتعتها؟ أم أني كنت بالفعل أحتاج لتلك الوقفات؟ 

على كل حال ما دفعني أن أعود إلى قراءتها أني وجدتها هذا الصباح في بيت أهلي في صندوقٍ مخبإٍ في المخزن مع مجموعة من كتبي المفضلة التي قفز قلبي سعادة عند رؤيتها! 

وهذه المرة أكملت قراءتها لأني لا أطيق شعور الكتب مبتورة القراءة التي تقابلك وجهاً لوجه؛ فتمسك بها ممتلأً بالخجل والرغبة في الاعتذار منها، خاصةً وأن رواية مثلها لا تستحق أن تُهمل قراءتها دون إكمال في الحقيقة .

 أشارككم فيها بعضاً مما لامسني من نسيج كلماتها وأثر بي، ويستحق أن نقف لنتأمل هذه التحفة الأدبية.

     في الفصول الأولى، بداية موفقة في وصف حال الدجاجة إبساك،دجاجة ساذجة لا تمتلك من خبرة الحياة شيئاً ، عالمها الوحيد هو قن الدجاج .. لكن لديها قلب كبير يحول دون أن تمنعها سذاجتها من أن تحلم وأن تمتلك اسما لها لا يعرفهزسواها، وانطلاقاً من رغبتها الملحة، ترى الدجاجة إبساك الأمومة في كل شيء يقع ناظرها عليه خارج القفص (قن الدجاج) الذي لم تعرف سواه في حياتها؛ أمومة ملحة ورغبة عارمة فترى الأمومة في دجاجة الحظيرة وصغارها ومجموعة البط وصغارهم، حتى شجرة الخرنوب الأسود حينما تزهر وتثمر! لكنها للأسف هي دجاجة داجنة، ولا تصلح للأمومة والتربية.

      تمر بعدها عبر الفصول التي تحكي تحقيقها لأمنيتها خارج القن، وكيف بدت أحلامها مغايرة للواقع مع طيور الحظيرة، فتصف الفصول اللاحقة خيبة توقعات إبساك واصطدامها بواقع رفض من في الحظيرة وكيف واجهت شعور الرفض هذا، ثم قصة البحث عن مأوى ومأكل، وكيف كان الأمر صعباً في مثل حالتها.

     تواتر الأحداث وحبكة شيقة تأخذك بها الكاتبة، وتنقلك بين المشاعر بمنطقية وروية، بين الصداقة والأمل، والوقوع والنهوض وخوفنا من أحلامنا ورهابة البدايات، ومعان شتى بعضها بالتصريح والآخر بالتلميح.

    مرت إبساك بالحيرة والتيه في مواقف كثيرة، ورغم محاولاتها وإصرارها لكنها لم تستطع أن تضع بيضة ولكنها تقبلت فكرة احتضان بيضة ليست بيضتها، وكيف أن الأبوة دافع قوي ليعيل الأب حاضنة طفله.

    في الفصل السادس؛ فرخ البط البري وإبساك في الحظيرة ومقدار العنصرية التي يلاقيها الاثنان.. ثم رحلة إلى البركة وهناك كان اطمئنان فرخ البط لإبساك وكأنها أمه لشدة عواطفها اتجاهه.

    رحلة الهروب من ابن عرس مليئة بالكفاح والمشقة، وكانت قوة الأمومة وشراستها حاضرة بقوة، ولكن في النهاية لم تتفادى إبساك الشعور بالوحدة رغم أنها صارت أماً حاضنة لصغيرٍ يقدرها،بينما فرخ البط البري يبطبط لأنه بطبيعة الأمر ينتمي لفصيلة البط لا الدجاج، فكيف واجه شعور الانتماء والغربة؟! وكيف استطاعت إبساك بعد رحلة كلها عطاء وحب.. تقبل فكرة أن هذا الصغير صار بطة برية؟ وآن له أن يجد سبيله في الحياة.

    خلال قراءتك للرواية ستمر بقضايا إنسانية مألوفة كالحرية، الحضانة، الاعتزاز بالهوية، المطالبة بالحقوق، العنصرية، وغيرها، وأكثر مالفتني في الرواية الإبداع في توصيف هذه القضايا بشكل فريد غير ممل، إلى جانب تسلسل الأحداث ومتعة الأسلوب.

    أظن أن هذا كافٍ للحكم عليها فيما إذا كانت الرواية ممتعة ومناسبة لك لقراءتها واقتنائها، وإلا فيمكنك تجاوزها إلى كتابٍ آخر يمكن أن يضيف إليك بعضاً مما يهمك.

أؤمن كثيراً بأهمية اختيار كتبنا التي تناسبنا وتتوافق مع اهتماماتنا فنخصص لها من أوقاتنا، بدلاً عن" قراءة التجربة" فلست من أنصارها.

   أتمنى أن أكون قد أفدتك في هذه التدوينة، شكراً لقراءتها كاملةً، ألقاكم قريباً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بعد خمسة عشر عاماً من المحاولة، نجحت في صناعة كعكة أحلامي!

سحر الروتين | منافع الروتين وأثرُهُ الإيجابيّ على حياتنا العائلية والشخصية!

أكذوبة التوازن في مجالات الحياة، قبول الضعف البشري