أكذوبة التوازن في مجالات الحياة، قبول الضعف البشري

 


سابقاً، كنت أعد فكرة التوازن فكرة حقيقية، على الأقل بالنسبة إلي، فكرة واقعية رغم مثاليتها المفرطة، فكرة مريحة رغم قدرتها على أن تقض مضجعك فلا تنام الليالي محاسباً نفسك حساباً شديداً، هل لا تزال متوازناً؟ أم شدك جانب على الحث والعمل دون الآخر؟ فتحاول بذل أقصى جهدك لمعالجة الوضع، ومعادلة كفوف مجالات الحياة الممتلئة بالأهداف والرؤى، وكأنك روبوت أو آلة، تخفض من الشغف هناك وتعلي من الجهد هنا، والقليل بعد من المثابرة في هذا وذاك!

في مرحلة من المراحل ستشعر بالانهاك، وتركن إلى أساسيات الحياة لتمضي فيها قدماً بدل التوقف لأنها لن تحتاج منك جهداً إضافياً، أو لأن القيام بها من المسلمات، وهنا تشعر أنك متعب، مهترئ أكثر من أي شيء آخر، وتقرر بأنك غير قادر على حمل نفسك على التوازن! وتتكسر الصورة المبنية في مخيلتك، عنك وعن أحلامك وعن مثاليتك التي ترفض أن تعترف بها مختزلة في "التوازن في الحياة"! 

تعرينا الحياة في بعض فصولها، قد تتساقط منا بعض القناعات  كأوراق الشجر واحدة تلو الأخرى فتعترينا مشاعر الإحباط والتخبط، وقد تسقط دفعة واحدة! مرعب مشهد الأوراق المصفرة المكومة فجأة! تكرر ملامح الشعور الذي يعتري صبية تمشط شعرها فتراه قد ملأ المشط منتزَعاً، أو ملأ الأرض متساقطاً، فترتعب وتضرب بحثاً عن السبب، تحاليل الدم وأسباباً طبية، وأخرى لم تحط بها علماً، كذلك الشعور فيما يتعلق بالمفاهيم التي نتبناها بصدق ومثالية في غير موضعها، توازن الحياة

غير أن الشعور الخريفي المتعلق بالمفاهيم أكثر إيذاء، مرهق لأننا نطالب أنفسنا بإعادة حساباتنا من الصفر، رغم أن الأمر أسهل من ذلك كله!

تعمل أجهزتنا العصبية بطريقة إبداعية سبحان خالقها، ويمكن لأجسادنا أن تُنظَف من السموم من تلقاء نفسها، وهذا هو الطبيعي في الغالب، ولكن من الصعب عليها أن تتعامل مع الكثير من المشاعر دفعة واحدة، تحتاج لطاقة، ودوافع، وتحتاج لتصفية وتنقية مخلفات المواقف العاطفية والنفسية والشعورية، خصوصاً حينما يمر بك أكثر من موقف شعوري في نفس الفترة، عتاب مع قريبٍ لك واختلاف في وجهات النظر، قلق على طفلك بسبب مشكلة يمر بها من مشاكل الحياة الاعتيادية، ومشاكل العمل الشخصية.

الصرامة والجدولة: يصبح الجدول الزمني أو جدول المهام أو خطة الحياة والروتين سلاح موجه صوب أجهزتنا العصبية عندما يصبح عبئا، وبالأصح عندما نخدمه بدل أن يخدمنا! 

الورقة والقلم: لتفريغ الأفكار والمشاعر العابرة والأفكار التي يجب الاحتفاظ بها، بدل أن تتراكم في أدمغتنا و تترسب في أنفسنا متروكة لأجهزتنا العصبية للتعامل معها دون أن نشعر، لنتركها للأوراق، سنرجع إليها ونتذكرها إن كانت مهمة بتلقائية، وإلا فلننساها ولنتغافل عنها، الأدهى من ذلك ألا نُجبر على التفريغ إلا إذا شعرنا براحة فيه.

هدنة واستراحة والعيش على الأساسيات، دون تخطيط، هنا يأتي فائدة العادات الروتينية، وأولوياتها، قاعدة العادات المهمة لديك وثمرة العمل عليها ومجاهدة النفس على القيام بها حتى تصبح مألوفة وسهل القيام بها كالعبادات والقيام بواجبات أهلنا وأبنائنا اليومية.

بعد المستراح، ستأتي مرحلة النشاط والعمل وإعادة الجدولة، تصبح الأمور أسهل ونعود للإنتاج والإبداع، قد نحقق بعض التوازن لأن رتم العمل والحركة سريعين، ولكن نظل متأرجحين وهذا جزء من ضعفنا البشري وهكذا هي دائرة الحياة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بعد خمسة عشر عاماً من المحاولة، نجحت في صناعة كعكة أحلامي!

سحر الروتين | منافع الروتين وأثرُهُ الإيجابيّ على حياتنا العائلية والشخصية!